المحامي والحقوقي عبد الرؤوف العيادي لمنتدى الثورة: القضاء التونسي باتر للاعمار ورموز السلطة السابقة مازالت موجودة بالمحاكم وبوزارة العدل وتمثل مع البوليس السياسي احد اذرع الديكتاتورية
منذ ما بعد الثورة تعالت كل الاصوات في الشارع التونسي تنادي باستقلال المؤسسة القضائية وبالتالي لم يعد هذ المطلب خاصا باصحاب المهنة فقط بل اصبح مطلبا شعبيا وشعارا يرفعه الجميع لما لذلك من اهمية في بناء نظام جديد يقطع مع الماضي ويؤسس لدولة حرة وديمقراطية وعلى ضوء هذا الحراك سيما من داخل جهاز القضاء نفسه خلال هذه الفترة للمطالبة باستقلاله نظم منتدى الثورة بمؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات ندوة حول انعكاسات الثورة على اصلاح القضاء استضيف لها كمحاضر رئيسي المحامي والحقوقي عبد الرؤوف العيادي وقد اشار في بداية مداخلته الى ان القضاء تاريخيا لعب دورا سلبيا ففي العهد الاستعماري كان مقيدا وتحت وصاية الادارة الاستعمارية وتصرف المدير العام للمصالح العدلية بعد الاستقلال تمت احالة التصرف في المؤسسة القضائية لصالح مجموعة معينة من الوطنيين على رأسهم بورقيبة تحت مفهوم التونسة وواصل بذلك القضاء لعب دوره السلبي والمنحاز في الفترة البورقيبية يعني الغرب يذل حكامنا وحكامنا يذللوننا ثم جاءت فترة حكم بن علي وابرز سماتها الظلم والاستبداد واستباحة الحرمات وكان القضاء في موقع المشكوك فيه ولان النظام غير شرعي فهو يخاف من المواطن ويحتاط منه لهذا اوجد جملة من التشريعات كرست للوشاية بالغيرعلى غرار قانون الارهاب وهذا من الضرب للقيم.اعتبر ايضا الاستاذ العيادي ان القضاء في تونس باتر للاعمار وعليه يجب تطهيره من رموز السلطة السابقة التي مازالت موجودة في عدة محاكم وفي مواقع من وزارة العدل وتمثل مع البوليس السياسي احد اذرع الديكتاتورية كما دعا الى ضرورة مراجعة تركيبة المجلس الاعلى للقضاء فبعض اعضائه يعينون بأمر رئاسي وعملية انتخاب بقية اعضائه لا يمكن وصفها بالشفافة والنزيهة حيث يتم فرز الاصوات في وزارة العدل دون ان يراها احد....وهذا المجلس لا يجب ان يقتصر على القضاة بل ايضا على المحامين وعدول التنفيذ كما دعا كذلك الاستاذ العيادي الى ضرورة تكوين اعوان الضابطة العدلية ورسكلتهم وتصحيح ما شابها من اخطاء ومن هذه الاخطاء ان يتم تجهيز المحضر دون الاستماع للمعني بالامر وهذا من غير المقبول ومن غير المعقول...
وفي تعقيبه على مداخلة المحامي والحقوقي عبد الرؤوف العيادي بين الاستاذ محمد صالح التومي ان القضاء حاجة ملحة كي تستقر المجتمعات ويصبح فيها توازنا كما اشار الى ان مبدأ فصل السلط كما تحدث عنه جون لوك او منتسكيو هو مبدأ سليم وجيد بالتالي لابأس ان نتأثر بالغرب وبالحداثة لكن ليس بطريقة كاريكاتورية اذ يجب المحافظة على هويتنا فهم انفسهم اخذوا الكثير من مبادئ الحضارة العربية الاسلامية وعندما استعمرونا جاؤوا لخدمة مصالحهم لا لحريتنا فمع الاستعمار الفرنسي وظف القضاء لقمع التونسيين مررنا بذلك من مظالم البايات الى مظالم الاستعمار وبعد ذلك الدولة وقعت تونستها فقط..مرحلة حكم بورقيبة ساد فيها الاستبداد واخضاع القضاء كما وقع اذلال المحامين والمواطنيين والكل يذكر الاحكام الجائرة مع بورقيبة للنقابيين واليساريين والاسلاميين وفي مرحلة حكم بن علي تقدمنا خطوة نحو الاستبداد والفساد فالرئيس المخلوع واصهاره الطرابلسية كانت لهم خلايا داخل جهاز القضاء والمحامين ولهذا نريد اليوم ان نؤسس نظاما جديدا بعد ثورة الكرامة والتي لم تنته ويجب ان تتواصل الى حين التخلص نهائيا من هذا الاستبداد والفساد. كما اقترح الاستاذ التومي تكوين لجان تفكير في القيم التي سيقع عليها ارساء قضاء جديد والمحتوى في المدارس والجامعات هو الذي سيكرس هذه القيم في القضاء، كما رأى انه من بين الضمانات ليكون القاضي مستقلا في قراره هي الضمانات المادية واكد على ضرورة تغيير النظام العدلي والادراي برمته واصلاحه وعبر عن رفضه للتحكيم وقال انه اتت به الشركات الاجنبية كي لا تخضع للقضاء التونسي.
من بين الحاضرين في هذه الندوة القاضي مختار اليحياوي الذي لقي الترحيب من كل الحضور تقديرا لنضالاته من اجل استقلال القضاء وفي رده على كلمتي الاستاذين العيادي والتومي قال السيد اليحياوي ان "القضية ليست قضية قيم واخلاق فالواقع هو الذي يعطي هذه القيم او العكس وهذه الثورة تعيد الاعتبار للقيم والاخلاق نحن بذلك في مرحلة نهوض اخلاقي وقيمي ولابد ان نتمسك بها واعتقد ان هذه العلاقة الوحيدة بين القضاء والقيم" كما اشار القاضي اليحياوي الى ضرورة الابتعاد عن المفهوم المادي وربطه بمفهوم اخلاقي غالبا ما يكون القضاء معاكسا له فمع الاستبداد هناك محاولة لتزيين هذا الاستبداد بمفاهيم العدالة والمساواة وحضارتنا العربية الاسلامية قائمة على الظلم والجور لكن هناك نقاط مشرقة وتجليات بسيطة لاشخاص معينيين وحكم رشيد وبذلك لا يجب ان نشوه التاريخ برغبتنا في تزيينه نحن في النهاية ننتمي لحضارة معينة لا نستطيع الانحراف عنها لكن علينا نقدها، كما اشار الى ان ابن خلدون اعطانا سيرورة الدول كيف تبدأ وكيف تنتهي وكيف ان الظلم يؤدي الى الخراب وهذا ما حصل ايضا مع نظام بن علي الذي لم يبق فيه الا الظلم ولذلك فقد شرعية وجوده والدور الاساسي للقضاء يتمثل في تطبيق قواعد وضعية يكون متفقا عليها على حالات واقعية فالمنطق الحقوقي هو منطق علمي بالأساس، ودور القضاء ليس اخلاقيا بل هو فرض النظام القانوني وهذا ابعد ما يكون عن مفاهيم العدالة المتعارف عليها وعليه لا بد من مؤسسة دستورية مستقلة عن جميع اجهزة الدولة ومؤسساتها مهمتها الوحيدة ليست العدالة بل فرض القانون.
من جهة اخرى اعتبر المحامي البشير الخنتوش ان بورقيبة لم يكن يتدخل في القضاء العادي بل فقط في القضاء السياسي اما بن علي فكان يتدخل في القضاء العادي والقضاء السياسي على حد سواء ولهذا من الضروري القطع مع كل هذا بأمور عملية عبر اقامة ما يسمى بالعدالة الانتقالية ولا يتعلق الامر بالقضاء فقط بل بكل اركان الدولة وقبل الحديث عن المصالحة يجب المحاسبة محاسبة كل من ظلم واجرم في حق الشعب وفيما يتعلق باصلاح القضاء اكد الاستاذ الخنتوش انه لا ديمقراطية ولا حرية ولا بناء دون قضاء عادل ومستقل وبعد الثورة يجب ان نعتبر ان القاضي ليس اجيرا عند الدولة كما كان يعتبر في السابق عند الرضا عنه نجزيه وعند الغضب عليه نقصيه بل نعتبره صاحب سلطة حتى نصل بذلك الى دولة العدل ودولة المؤسسات الشرعية لا دولة القوانين لان القوانين قد تكون ظالمة بن علي مثلا كان يحكم بالقانون لكنه قانون جائر.
وفي نفس سياق التدخلات السابقة تقريبا اعتبرت المحامية منية بوعلي ان مؤسسات القضاء لها علاقة بمفهوم القانون اما مفهوم العدالة فهو زئبقي ويستطيع ان يتغير من مرحة الى اخرى وان اهم شيء يمكن ان يخرج مؤسسة القضاء من الوضع الحالي هو الخروج بها من المفهوم الوظيفي الى مفهوم السلطة المستقلة كما اشارت الاستاذة بوعلي الى ان البرامج التعليمية التي يتلقاها التلميذ بالمعهد الثانوي ومن ثم الطالب بالجامعة هي التي ستكرس مفهوم الاستقلالية لديه كما توجهت بالنقد الى المجلس الاعلى للقضاء وقالت ان السلطة التنفيذية هي من يشرف عليه وبشكل مباشر وليس بشكل غير مباشر.
تخللت وتلت هذه المداخلات للاساتذة المحامين العديد من الاسئلة من الحضور وهم حقوقيون واعلاميون وجامعيون والذين وان اختلفوا في المواقف والاراء فانهم اتفقوا على ضرورة اصلاح جهاز القضاء باعتباره ضمانة حقيقية لبناء دولة ديمقراطية تقطع تمام القطع مع نظام الاستبداد وسياسة الفساد..
شادية السلطاني
جريدة الرسالة ليوم 27 ماي 2011
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire