لطالما دغدغتنا الاماني وتحرك فينا الامل باشراقة يوم جديد يقطع مع عهد الاستبداد والفساد، حيث عاش الجميع في ظل السادية السياسية وقد تجلت في ابشع مظاهرها طيلة عقود من الزمن وانعكست من جملة ما انعكست على حرية الابداع، فحاولت بذلك قطع كل نفس ابداعي حر وكل فكر خلاق يرنو التجاسر واعلان العصيان على السائد ويرفض دخول بيت الطاعة والولاء لاصحاب السلطة والمال والنفوذ، حتى ان اعمالنا التلفزيونية كانت خالية من مضامين عميقة تعبر بحق عن الشواغل الحقيقية للمواطن التونسي الذي عاش كل اشكال الحيف. وبعدما جاءت الثورة وحملت معها بشائر الحرية تمنينا ان تضخ دماء جديدة في شرايين الاعمال التلفزية سيما الرمضانية حيث ذروة المشاهدة، لتكون المراة العاكسة لاوضاع مجتمعية غطت قبح وجهها مساحيق الزيف والرياء لتبدو جميلة في ظل "السياسة الحكيمة والحكم الرشيد لسيادة الرئيس" ولكن يبدو ان رياح قنواتنا تجري بما لا تشتهي سفننا..
خلال النصف الاول من شهر رمضان لاحظ المتتبع للبرمجة الرمضانية على قنواتنا التلفزونية الفضائية، انها لا ترتقي في عمومها لمستوى تطلعات المشاهد التونسي، الذي كان ينتظر من هذه الاعمال الدرامية وغيرها ان تكون اكثر جرأة وعمق في تناولها لمشاغل ولخبايا المجتمع التونسي بعدما كان هذا التناول قبل الثورة مفروضا باملاءات فوقية ومسيجا بخطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، لان اي محاولة لكشف الحقيقة والمستور ستنال من السمعة التي عمل نظام بن علي وحزبه التجمع الدستوري المنحل على تسويقها في الداخل والخارج، ليضفي على نفسه شرعية حكم هو ليس اهلا بها.
فباستثناء كلمات مثل ديقاج واعتصام وثورة الى ما هنالك من المفردات الجديدة على نصوص سيناريوهات مبدعينا، لا يمكن باي حال من الاحوال ان يذهب لتفكيرنا او ظننا ان ما نشاهده من اعمال رمضانية يمكن ان يعطينا الانطباع باننا في تونس ما بعد الثورة، بل اكثر من ذلك في بعض الاحيان وقع توظيف مثل هذه المفردات في قالب سخرية مما اثار حفيظة واستهجان العديد من المشاهدين اذ اعتبروها سخرية من الثورة في حد ذاتها.
اما الاطباق الرمضانية للنصف الثاني من شهر رمضان فقد غاب عنها ايضا عنصر الدسامة، كما التجأت قنواتنا الى "تسخين البايت" والعودة لاعمال ايام زمان في حركة لا تدل الا على حالة افلاس وعقم، رغم ما وعد به القائمون على مختلف المحطات الفضائية التلفزية من برمجة في مستوى انتظارات المتفرج التونسي وحتى العربي، الذي يحدوه الفضول ليرى نبض الثورة في الاعمال التلفزية التونسية وما يمكن ان تنجبه حالة الانعتاق من مكبلات كان يفرضها نظام المخلوع بن علي على حرية الرأي والتعبير، اذ لا يمكن ان يترك شاردة او ورادة تمر على شاشات التلفزة دون ان تكون على هواه وعلى مقاسه.
وهذا ما جعل امل التونسي يخيب مرة اخرى فيهجر قنواته نحو قنوات اخرى عربية واجنبية بحثا عن ضالته، وعما يشبع نهمه من اطباق تلفزيونية دسمة تتفنن جل القنوات في تحضيرها لتكسب بها ود المشاهد وتدخل بذلك حلبة الصراع والمنافسة من اوسع ابوابها بكل ثقة وعزم على كسب الرهان.
في حقيقة الامر قد يعزى حسب البعض هذا الارتجال وهذا الضعف في المادة المقدمة للمشاهد على قنواتنا الفضائية نستثني من ذلك بعض الاعمال التي نالت الاحترام والاستحسان الى الوضع اللامستقر الذي عرفته بلادنا بعد الثورة وحالة الارتباك والانفلات الامني ناهيك على ان الثورة فاجأت الجميع ولم يقرأ لها اي احد حسابا..لكن هذا لا يمكن ان ينفي ان كل رمضان تقريبا يخرج المتفرج بانطباعات سلبية على البرمجة الرمضانية كما لا يمكن ان يبرر ايضا عدم السعي بجدية الى استغلال اتساع وبشكل كبير مساحة الحرية بعد 14 جانفي فيصار بذلك الى تقديم مادة تكون في مستوى السمعة الطيبة التي اصبحت تحظى بها تونس بفضل الثورة التي اضحت حديث العالم..
شادية السلطاني
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire